في يوم 19 أبريل، انطلقت كتيبة المارينز التي أقودها في العراق من مدينة سامرّاء لتبدأ رحلة طويلة إلى الجنوب عبر بغداد وعلى طول الطرق السريعة التي خضنا المعارك عليها قبل ذلك بأسابيع قليلة· آنذاك، كانت العمليات القتالية الرئيسية توشك أن تنتهي ونحن في طريقنا إلى مدينة الديوانية العراقية الجنوبية للقيام بعمل محدد اقتضى منا تنفيذ عمليات ما بعد النزاع·
احتلت مدينة الديوانية في ذهن الكثيرين منا مكانة شخصية: لأنها شهدت مناوشاتنا مع قوات الفدائيين المؤلفة من المسلحين المحليين ومن القوات الخاصة في الجيش العراقي، فكانت مسرحاً لأول معركة قتالية مهمة نخوضها في العراق ومسرحاً لسقوط أول الإصابات في صفوفنا· وقد سنحت لنا أيضاً أول فرصة لاستئصال بقايا المقاتلين وللمساعدة في ترميم المجتمع المحلي الذي دمّرته الحرب·
وقد كان من الطبيعي أن نقوم بعملية بالجزء الأول من المهمة، الذي اقتضى مطاردة عناصر في المقاتلين دون هوادة· ومن حسن الحظ أن قائد فرقتنا الميجور جنرال (جيم ماتيس) اتبع منهجاً مختلفاً فقام بتغيير مركز اهتمامنا من عمليات القتال التقليدي ليكسب ود الناس وصداقتهم، بحيث يمكننا عزل المتمردين البعثيين والعناصر الإجرامية وتسهيل كشفهم والتخلص منهم·
وتلخص مبدأ (ماتيس) الإرشادي في عبارة (لا تسببوا الأذى)، وهكذا قمنا بإعادة دباباتنا وناقلات الأفراد المدرعة وقطع المدفعية إلى الكويت، باعتبار أنها تشكل تهديداً لجوهر وجودنا العسكري هناك- ناهيك عن كونها كالمغناطيس الذي يجذب القنابل الصاروخية·
وقد حاولنا أيضاً فهم الحساسيات العراقية، وجعلنا منظرنا عادياً أثناء قيامنا بالدوريات الراجلة ونزعنا الدروع الجسدية والخوذ والنظارات الشمسية· وقد حققنا أيضاً درجات متفاوتة من النجاح عندما أمرنا عناصر المارينز بغض بصرهم عن النساء والمراهقات العراقيات·
وكان معظم جهودنا مباشراً، فقمنا بتنظيف وطلاء المدارس· وكنا حيثما ذهبنا نحرص على استخدام (تكتيك التلويح بالأيدي) للناس عموماً وللأطفال على وجه الخصوص، ونبتسم في وجوه المشاة والعابرين· وفي سياق مساعينا إلى التغلب على موجة الجرائم ومطاردة فلول البعثيين، أغرقنا أحياء المدينة بدوريات العناصر الراجلة، وصرنا نتحدث إلى السكان لنحصل على المعلومات، ونصبنا الكمائن في المناطق التي كانت تمثل مشكلة لنا· وقد تجنبنا تغيير ونقل سرايا الجنود لكي يتسنى لهم تطوير علاقات مع القرية التي يعملون فيها·
وعندما خرج الجنود العراقيون العاطلون عن العمل في المظاهرات، دعونا زعماءهم إلى مقرّنا وأصغينا إلى شكاويهم وقدّمنا لهم المشروبات الغازية الباردة· وبالتعامل معهم كنظراء مساوين لنا، خففنا من شعورهم بالإحباط وواجهنا احتمال السقوط في المواجهة المسلحة معهم·
ولا ريب في أننا جميعاً استفدنا من الأغلبية الشيعية في المنطقة، حيث كان معظمهم فرحاً بالإطاحة بصدّام حسين· لكن ما لا يمكن إنكاره أن الأشهر الخمسة التالية في عمر وجودنا بعد انتهاء المعارك لم تشهد مقتل أي جندي من قوات (المارينز) في عمل هجومي هناك· وستقف هذه الفلسفة في تباين صارخ مع الاستراتيجية الجديدة الصارمة التي تبنتها القوات الأميركية في المثلث السنّي الذي كان مسرحاً لهجمات عنيفة وشديدة على الجنود الأميركيين، ليكون أكثر تقلباً وخطراً من جنوب ووسط العراق· وسيكون من الخطأ على رغم ذلك أن نعتبر الدروس التي تعلمناها غير صالحة للتطبيق في مدن مثل تكريت وقرى مثل قرية أبو هشمة· وقد يكون هذا، بوجود روح المصالحة، وقتاً ملائماً للامساك عن الضرب بالمطرقة الحديدية وللمبادرة بمد يد الود واللطف·
إن استنباط أساليب فاعلة لمكافحة التمرد أمر يشكل تحدياً؛ ولذا من المؤكد أن تحتاج القوات الأميركية إلى توجيه هجماتها على الموالين للنظام البائد وعلى المقاتلين الأجانب·
لكن في مقابل كل نجاح عسكري، تأتي تقارير تفيد بأن السنّة غاضبون من أساليب كخلع أبواب البيوت والدكاكين، ونسف المباني وتخريب حقول الفاكهة وإطلاق نيران المدفعية في الأحياء المدينة وعزل قطاعات واسعة من السكان بالأسلاك الشائكة· ومهما كان مقدار النجاح التكتيكي القصير الأمد لهذه الأساليب، تبقى هناك جملة من المشكلات القائمة في سياق السعي الأميركي الطويل الأمد إلى كسب تأييد الشعب العراقي·
أولاً، إن إهانة السّنة ستؤدي إلى نكسة في السعي إلى تأسيس علاقات ودية مع المواطنين وإلى تحقيق الإصلاحات المدنية· ويبدو أن الاستياء من الوجود الأميركي العسكري آخذ في التصاعد، إذ أن استخدام التكتيكات الصارمة يعني المخاطرة بالمزيد من تآكل الثقة·
ثانياً، إن المنهج (الصارم) يشبه التكتيكات التي تتبعها إسرائيل في الأراضي المحتلة· وإن التحدث إلى القوات الأميركية عن (الدروس) التي (تعلمها) الإسرائيليون يعطي نتيجة معاكسة ويثير تلك الدعاية حول الرغبة الإسرائيلية-الأميركية في الهيمنة على الأرض العربية· ومن المؤكد أن الاستمرار في اتباع هذا المنهج سيعزز صورة أميركا السلبية في العالم الإسلا